|
الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} أي: خاف الله في سرِّه. وقال القاشاني: أي: من اتصف بالخشية وصارت الخشية مقامه. و{مَنْ} بدل بعد بدل، أو خبر لمحذوف، أي: هم من خشي. أو مبتدأ خبره ما بعده بتأويل: يقال لهم ادخلوها. إلخ.{وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} أي: جاء ربَّه تائب من ذنوبه، راجع مما يكرهه تعالى إلى ما يرضيه.{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [34- 35].{ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ} أي: يقال لهم: ادخلوا هذه الجنة بأمان من الهمِّ والحزن والخوف.{يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا} أي: مما تشتهيه نفوسهم وتلذّه أعينهم {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} أي: ممَّا لا يخطر على بالهم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت.{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ} [36].{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم} أي: قبل هؤلاء المشركين من قريش {مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا} أي: قوة، كعاد وفرعون وثمود {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} أي: فضربوا فيها وساروا وطافوا أقاصيها. قال امرؤ القيس:
{هَلْ مِن مَّحِيصٍ} أي: هل كان لهم- بتنقيبهم في البلاد- بطشًا عن الهلاك الذي وُعِدوا به لتكذيبهم الحق. والضمير على هذا في {نَقَّبُوا} للقرن الذين هم أشد بطشًا، وجوز عوده لهؤلاء المشركين، أي: ساروا في أسفارهم في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصًا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم؟.قال ابن جرير: وقرأت القراء قوله: {فَنَقَّبُوا} بالتشديد وفتح القاف، على وجه الخبر عنهم. وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ: {فنقِبوا} بكسر القاف، على وجه التهديد والوعيد، أي: طوِّفوا في البلاد وترددوا فيها، فإنكم لن تفوتونا بأنفسكم.{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [37].{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: في إهلاك القرون التي أُهلِكت من قبل قريش {لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي: لتذكرة يتذكر بها من كان له عقل من هذه الأمة، فينتهي عن الفعل الذي كانوا يفعلونه من كفرهم بربهم، خوفًا من أن يحلَّ بهم مثل الذي حلَّ بهم من العذاب.{أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي: أصغى للأخبار- عن هذه القرون التي أهلِكت- بسمعه.{وَهُوَ شَهِيدٌ} أي: حاضر القلب متفهم لما يخبر به عنهم، غير غافل ولا ساهٍ. على أن {شَهِيدٌ} من الشهود، وهو الحضور، والمراد: المتفطن؛ لأن غير المتفطن كالغائب، فهو استعارة أو مجاز مرسل. أو {شَهِيدٌ} بمعنى شاهد، وفيه مضاف مقدر، أي: شاهد ذهنه. أو هو من الشهادة، والمراد: شاهد بصدقه، أي: مصدق له، لأنه المؤمن الذي ينتفع به. وهو كناية عن المؤمن، نقله الشهاب.لطيفة:قيل: أو، لتقسيم المتذكر إلى تالٍ وسامع، أو إلى فقيه ومتعلم، أو إلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمل فيما عنده، وقاصر محتاج للتعلم فيتذكر إذا أقبل بكلِّيته، وأزال الموانع بأسرها. وفي تنكير القلب وإبهامه، تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر، كلا قلب.{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [38].{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} أي: إعياء.قال قتادة: كذَّب الله ُاليهودَ وأهل الفِرى على الله، وذلك أنهم قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السابع، وذلك عندهم يوم السبت وهم يسمونه يوم الراحة.{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقولونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [39- 40].{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقولونَ} يعني: المشركين من إنكار البعث والتوحيد والنبوة {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} أي: أعقاب الصلوات. والمراد بالتسبيح إما ظاهره، وهو قرين التحميد. أو هو الصلاة، من إطلاق الجزء، أو اللازم على الكل، أو الملزوم. فالصلاة قبل الطلوع، الصبح. وقبل الغروب، الظهر والعصر. ومن الليل، العشاآن والتهجد. وأدبار السجود. النوافل بعد المكتوبات.{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [41- 42].{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} أي: استمع، أي: لِما أخبرك به من أهوال القيامة، يوم ينادي مناديها من كل مكان قريب، بحيث يصل نداؤه إلى الكل على السواء.قال القاضي: ولعله في الإعادة نظير كن في الإبداء، أي: فهو تمثيل لإحياء الموتى بمجرد الإرادة، وإن لم يكن نداء وصوت.وفي ورود الأمر مطلقًا، ثم تبيينه بما بعده، تهويلٌ وتعظيم للمخبر به، لِما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتفخيم لشأن المحدَّث عنه.{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ} أي: صيحة البعث من القبور، والحشر للجزاء {بِالْحَقِّ} قال ابن جرير: يعني بالأمر بالإجابة لله إلى موقف الحساب.{ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} أي: من القبور.{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} [43].{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} أي: في الدنيا بإفاضة نور الحياة أو قطعه {وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} أي: مصير الجميع يوم القيامة.{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [44].{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} أي: فيخرجون منها مسرعين {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} أي: ذلك الإخراج لهم جمع في موقف الحساب علينا سهلٌ بلا كلفة.{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقولونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [45].{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقولونَ} يعني: مشركي مكة، من فِريتهم على الله ورسوله، وإنكارهم قدرته تعالى على البعث. وهو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدٌ لهم.{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} أي: بمسلَّط ومسيطر تقهرهم على الإيمان {فَذَكِّرْ بِالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} أي: بل إنما بعثت مذكرًا ومبلغًا، فذكر بما أنزل إليك من يخاف الوعيد الذي أوعِد به من عصى وطغى، فإنه ينتفع به.ومن دعاء قتادة: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك، ويرجو موعدك، يا بارّ يا رحيم. اهـ.
|